الإشارة: الأستاذ سید مصطفی محمودیان من الأساتذة الشهیرة في مجال العلوم الدینیة والشاعر والکاتب والمترجم والمفتي في الفقه الشافعي في المناطق الکردیة والآذربایجان الغربیة وتلمذ عنده عشرات من طلبة العلوم الدینیة واستفادوا من معارفه. وهو علاوة علی حصوله علی رخصة التدریس والإفتاء التقلیدیة حامل شهادة الماجیستر في الفقه الشافعي من جامعة طهران ویقوم بمهمة مدرس العلوم الدینیة وإمام الجماعة منذ أکثر من 32 سنة. وفي الحوار التالي یقول الأستاذ من مشاکل العلماء في المناطق الکردیة وهذا هو نص الحوار:

سماحة الأستاذ سلام علیکم؛ أود أن تعرف عن نفسک بإیجاز وتصف لنا أین ولدت وفي أي سنة؟ ولماذا اخترت سبیل العلم وعن أي من الأساتذة أخذته؟

علیک السلام ورحمة الله وبرکاته یمکننی أن أجیب بسؤالک في ثلاثة أجزاء:

أ: أنا سید مصطفی محمودیان ابن سید عبد الکریم بن شیخ حسن المعروف بزمزیراني ولدت سنة 1384هـ في إحدی قری مدینة سردشت من محافظة آذربایجان الغربیة وقد انتقلت أسرتي من العراق لمسقط رأسي بحثا عن العمل. أصبحت من رواد المسجد في عن عمر 8-9 سنة وتعلمت القرآن وبعض الدروس التمهیدیة منها اللغة وکلستان للسعدي حتی أصبحت طالبا رسمیا عند الأستاذ ملا أحمد حفیدي وبدأت بدراساتي.

ب: وفیما یتعلق بسبب انغماسی بالعلم استطیع أن أقول إني ولدت في أسرة معنیة بالعلم والدین وتقدیم الخدمة للآخرین وأن والدي کان له خلفیة في تعلم العلم وهو لا یرغب في المدارس الحکومیة بسبب قناعاته ولکنه فوعدني أن یوفر لي إمکانیة الالتحاق بالمدارس الدینیة وقد أوفی بوعده.

ج: ومن أبرز الأساتذة الذین أخذت العلم عنهم یمکن الإشارة إلی الأستاذ ملا سید رضا حسیني والأستاذ ملا عبد الرحمن سیسیري والأستاذ ملا رسول معروفي زیوه وملا شیخ عبد الرؤوف نقشبندي بیزوه وملا عبد الرحمن حاجي زاده کرور وکلهم کانوا من مدینة سردشت وضواحیها وأیضا الأستاذ ملا محمد عزیزي برده رشي من مدینة بانه والأستاذ ملا محمد صادق میرزايي أحمد کر من مدینة دیواندره والأستاذ ملا رسول سعیدي من مدینة مهاباد.

وبعد مضي الفترة الدراسیة والصمود أمام صعوباتها خاصة المشاکل المتعلقة بأوائل الثورة والحرب الأهلیة والحرب بین بلدي إیران والعراق، حصلت علی رخصة التقلیدیة عند الأستاذ ملا محمد واوي سنة 1405هـ ثم طلبت أخذ الرخصة من أستاذي ملا محمد برده رشي وملا عبد الله حیدري نظرا لمکانتهما العالیة في العلوم.

صف لنا الفترة الدراسیة من عقبتها ومصاعبها.

من أعظم مشکلنا في الفترة الدراسیة سواء بالنسبة لي أو للآخرین هي مشکلة الفقر وکنت أعاني منها کثیرا لأن الأسر التي کانوا یرسلون أبناءهم لطلب العلم کانوا من طبقة الفقراء ومنهم والدي الذي ما کان لدیه مصدرا للدخل إلا فأس ومعاول لیعمل للناس وکان یعیش مع القناعة والرضا ولا یشکو بأسه إلا إلی الله.

ومن المشاکل الأخری افتقارنا إلی الأساتذة المتعاطفین خاصة في الفترة التمهیدیة وعدم وجود المنهج الدراسي المنتظم والأسالیب التعلیمیة المفیدة والعطلة الطویلة وتدني مستوی الکتب الدراسیة من حیث المضمون والطباعة وعدم توافر التعلیقات والهوامش بلغة بسیطة وضیق الحصص الدراسیة والدیکاتوریة لدی الطلاب رفیعي المستوی بالنسبة إلی الطلاب المبتدئین...

برأیک ما هي محاسن التدریس في المدارس التقلیدیة (الحُجرة)؟

في المدارس التقلیدیة تتم السیطرة علی الطلاب بشکل أحسن وتعزز علاقتهم مع الناس أکثر فأکثر ویتمتعون بکثیر من الثقة بین الناس وأن التدریب والتبریر یتم بصورة أسهل وقلما تثیر عواطف المعارضین.

وما هي مزایا التدریس في المدارس الحدیثة؟

کل شخص یستحق التطور والتنمیة المناسبة مع العصر ولکن مع الأسف أن مدارس العلوم الدینیة في المناطق الکردیة قد تم حرمانها من هذا الصدد وفي المجال الدراسي مما تم تغییرها هي نوعیة الکتب الدراسیة وکیفیة التغذیة فقط وإذا استطعنا أن نحوِّل هذه المدارس إلی المدارس الحدیثة سیکون وضع الطلاب مختلفا جدا. ومن مزایا المدارس الحدیثة یمکن الإشارة إلی:

1- تربیة عدد کبیر من الطلاب مع عدد أقل من الأساتذة.

2- استخدام المنهج الدراسي الحدیث مع أدوات التعلیم الحدیثة.

3- إدراج برامج مفیدة کالریاضة وتسلق الجبال والمخیمات الترفیهیة والبرامج الثقافیة.

4- تشکیل ورش العمل بما تناسب محن الطلاب المستقبلیة کتدریب المحاضرة والبحث والتحقیق والتألیف والترجمة و...

5- إدارج دورات إضافیة کالعمل مع جهاز الحاسوب والمحادثة باللغة العربیة ولغات الأجانب.

6- وجود المدیر والبرامج المنتظمة وفق الساعات الدراسیة وتسجیل الحضور والغیاب.

7- استقطاب المزيد من التبرعات وبالتالي تطویر العمل النوعي والکمي.

8- توفیر المزید من الثقة لدی الطلاب وزیادة الحافز للتعلم لمواصلة الدراسة حتی الحصول علی الهدف الغائي.

وبعد انتهاء من الدراسة هل قمت بمواصلة الدراسات الدینیة أو دراسات أخری؟

کما قلت آنفا حرمت من الحضور في المدارس الحکومیة ولکن استطعت أن أواصل حتی الثانویة ثم حصلت علی المستوی 3 في اختبار جامعة طهران ونلت شهادة الماجیستر وناقشت أطروحتي بعنوان "الماکیاج والتشذیب في الإسلام" وحصلت علی الدرجة العالیة وعزمت علی مواصلة دراستي ولکن عدد من ضیقي الأفق قاموا بإفساد برامج الکلیة و بالتالي حرمت من الدراسة.

في مجال التألیف کم کتاب أو کراسة ألفت وهل هناک أثار أخری جاهزة للطباعة؟

في البدایة حین کنت اشغلت بمهمة إمامة الجماعة والتدریس رغبت في الکتابة والترجمة واتخذت خطوات في هذا الطریق حتی استطعت أن أحرر الآثار التالیة:

1- ترجمة کتاب "وجود الله" للدکتور یوسف القرضاوي.

2- تألیف کتاب "فه‌قی وفه‌فییه‌تی له کوردستان" (الطالب وطلب العلم في کردستان) باللغة الکردیة.

3- ترجمة کتاب "توتن کیشان ناره‌واریه" (حظر التدخین) بقلم الأستاذ ملا محمد عزیزي حیث ترجمته من اللغة الکردیة إلی اللغة الفارسیة.

4- تألیف منظومة کردیة بعنوان "سفره‌ی سه فه‌ر" (مائدة السفر).

5- إعداد کتاب "تقوا در فتوا" (التقوی في الفتوی) في أدب الإفتاء.

6- تألیف "المنظومة البهیة فی القواعد الفقهیة".

7- تألیف کتاب "آرایش و پیرایش در اسلام" (الماکیاج والتشذیب في الإسلام).

8- وعدد من النشرات والمقالات في مختلف المجالات.

سماحة الأستاذ صف لنا براعتک الشعریة.

لا أقول البراعة ولکني أرغب في الأدبیات خاصة في مجال الشعر واستطیع أن أقوم بإنشاد الشعر وربما أنظم مشاعري الإیجابیة أو السلبیة في سلک النظم الشعري وأنشد الشعر في مختلف قضایا الدینیة والاجتماعیة والسیاسیة غالبا ما باللغة الکردیة وأحیانا أقوم بتخمیس قصائد الآخرین.

قل لنا من مشاکل العلماء والطلاب الدینیة في کردستان إیران ولماذا تم إغلاق المدارس الدینیة في بعض المناطق الکردیة؟

العلماء والطلاب الدینیة في کردستان یعانون من مشاکل خاصة إضافة إلی مشاکل التي یعناني منها عامة الناس وبرأیي أن المصدر الأساسي لهذه المشاکل یرجع إلی افتقار للمرجعیة والقیادة لأنه لیس هناک مرجع واحد أو مرکز إدارة واحدة تدیر هذه الفئة ولذلک تکبدتهم مشقات وآلام عدیدة وخسروا من مختلف الجوانب.

فعلی سبیل المثال نراهم متفرقین أشتاتا ولا سمع ولا طاعة لبعضهم من بعض وغیر ناجحین في القیام بواجباتهم کما هو المتوقع ولیس لهم موقف واحد أمام القضایا السیاسیة وغیر منسقین في إصدار الفتوی والإجابة علی أسئلة الناس وفي توحید جدول مواقیت الصلاة وفي إقامة احتفال العید والمراسیم الدینیة.

إن إدارة المساجد لیست تحت تصرفهم تماما ویتم التدخل في مهامهم من قبل بعض الدخلاء ولیس لدیهم الحریة في اختیار مکان الخدمة وفيما یتعلق بأمر الإعاشة لا یوجد لدیهم أي دخل ولا یزالون یعتمدون علی الناس. وکل هذه الصعوبات قد أدت إلی أن تنخفض مکانتهم في المجتمع وترجع خسائرها نهائیا إلی الدین مباشرة وإلی الناس غیر مباشرة. وأقول باختصار إن هذه الفئة لیس بإمکانهم أن یخطوا خطوة نحو المطالبة بحقوقهم الضائعة إلا أن یتحدوا لإنهاء التفرقة رافعین علم الوحدة فعندئذ سیتم حل جمیع المشاکل الآنفة الذکر وستعود المکانة المفقودة.

لقد أرجعت جذور مشاکل العلماء إلی فقدان الوحدة فبرأیک ما هو سبب هذه التفرق وعدم المرجعیة الدینیة الواحدة؟

تفسیر هذا الموضوع یقتضي وقتا طویلا وهو خارج عن نطاق هذا الحوار ولکن یمکنني تلخیصها في سببین أساسیین:

1- قصور العلماء أنفسهم.

2- تأثیر الاستفزازات الیومية لأعداء الدین ومعارضي وحدة العلماء.

ما هي مبادرتک لإعادة افتتاح المدارس الدینیة وازدهارها؟

في البدایة یجب أن یتم تعزیز المدارس الموجودة خاصة من الناحیة المادیة وعلی المثقفین والمتطوعین في المجتمع أن ینخرطوا في هذا الأمر وفي ظل تعزیز المدارس الموجودة یقوموا بإحیاء المدارس المغلقة ولأن کثیرا من المدرسین لیس بإمکانهم أن یقوموا بالتدریس بصورة جیدة نظرا إلی لمشاکلهم المعیشیة فإذا حلت هذه المشکلة فهم سیسعون في قبول الطلاب.

وفي الخطوات القادمة یمکن دفع المدارس التقلیدیة نحو التقدم والحداثة وفي أمد بعید أن أهم الخطوات وأکثرها فاعلیة لإعادة إحیاء المدارس الدینیة في کردستان هي العمل الدؤوب من قبل العلماء والنخبة والمثقفین وممثلي أهل السنة من أجل القضاء علی التمییزات الموجودة بین الحوزات العلمیة الشیعیة والسنیة وبالتالي یجب:

1- تمتع المدارس الدینیة السنیة خاصة في کردستان بنفس المیزانیة الحکومیة التي تخص الحوزات العلمیة الشیعیة.

2- إنهاء النظرة الأمنیة من مدرسي المدارس التقلیدیة (حجره).

3- أن یتم الاعتراف بالشهادات الدراسیة لطلاب أهل السنة حتی تتمتع بالقیمة العلمیة والتوظیفیة.

4- وفي الختام أن إحدی الحلول المؤثرة لإحیاء المدارس تفویض إدارتها ورقابتها إلی إدارة الأوقاف کما هو المعتاد في کثیر من البلدان الإسلامیة.

سماحة الأستاذ أنت کأحد مؤسسي موقع "سوز محراب" یمکنک أن تبین لنا ما الذي دفعکم إلی تأسیس هذا الموقع وهل أنت راض عن أداء الموقع وتعاون الأصدقاء؟

من الواضح أن أهم واجبات علماء الإسلام هو الاهتمام بمهمة الدعوة والتبلیغ ولأننا مع الأسف لیس لدینا وسائل الإعلام المناسبة منها القنوات التلفزیونیة فلذلک عزمنا أن نقوم بتأسیس هذا الموقع ونستفید منه کمحراب ومنبر ولحسن الحظ أن الموقع أصبح ذا مکانة لدی العموم وما حصل هذا إلا بتوفیق الله تعالی ومساعدة الأصدقاء ونرجو الله سبحانه وتعالی مزیدا من التوفیق النجاح لجمیع الداعین إلی سبیله.